2009-06-25

مزيكا .. من العقد الفريد



إنما سمي الفريد فريدا .. لاختلافه عن غيره وتباينه عن أشقائه وتميزه عما سواه ، من هذه الفكرة جاز لنا تسمية هذه المزيكا .. بمزيكا فريدة ..

أنا قديم .. او انقطاعي عن العالم مدة أسبوع ومن قبلها شهور أبلاني وأبلى حالي ، لا أستمتع بعمل إلا إن استمعت إليه وشاهدته مرات ومرات ، أغوص فيه ، وأتمرغ في أوحال طينه حتى أتذوق حلاوته وجميل صنعه ... وألمس روح صانعه

من أسبوع استمعت لأغنية بعنوان ( ياطير ) اعتمدت في اللحن والتوزيع على اهازيج وترانيم الموالد الشعبية والأفراح في الصعيد .. في البداية لم أستستغ طريقة تركيب الكلام على اللحن وتركيب الاثنين على التوزيع .. بعد أن استمعت إلى الأغنية الثانية بعنوان ( وأنا في طريقي ) نبهتني رشاقة اللحن .. استمعت إلى كل الألبوم ( مرجيحة ) و ( غربة ) و ( شد الحزام ) و (احلم معايا ) بعد إضافة أصوات الكمانجات البديعة في خلفية الجيتار الالكتريك ثم ( فتح شبابيك عنيك ) مختوما بأغنية ( كنا واحنا صغار ) .

رسم جديد لم اعتده في الأغنية الهادفة أو حتى الهابطة .. التنويع والمزج بين الآلات الشرقية والغربية بهذه البساطة دون ان تخرج الأغنية مشوهة أو يكون التوزيع متكلفا في إبداعه .. الأغنية التي لم أستسغها ( يا طير ) بعد أن استمعت إليها 20 مرة أجبرتني على عشقها ..

الملتزمون - إن أردنا إطلاق التوصيف - أو متذوقو القن الصاعد أو الهادف ، اعتادوا في سماعه على ترانيم الصوفية التي تتغنى بالحب الإلهي ، أو أغاني الحشد للقضايا العربية و الإسلامية وعلى وجه الخصوص ما اتصل منها بالشأن السياسي مثل فلسطين والعراق .. وأما أضعف الإيمان فقد كانت هناك ألبومات المناسبات الاجتماعية ( زواج - مولود - رمضان - حج - الخ ) .

ولعقود .. امتنع ( الملتزمون ) عن التطرق لمواضيع معينة في غناءهم وإنشادهم .. بل امتنعوا عن جميل استخدام الآلة الموسيقية ظنا بحرمتها وشيطانيتها .. أدى هذا إلى كثير من التأخر كثير جدا .. نرجو الله ألا تطول مدة تصحيح الأفهام .

ان هناك إحجاما عن مناقشة الواقع العام وتفضيل مناقشة ( الهم ) الخاص للإسلاميين في فنهم .. نتيجة لهذا انتحصر هذا الفن .. وانغلق على ذاته .. وتجاهل طلب المجتمع .

ما هذا .. فهو نهج مختلف .. ورسم خاص .. هو غناء لعموم الإنسان .. ولخصوص مريدي الحضارة لا نتحدث عن حضارة إسلامية او مسيحية .. بل هي حضارة إنسانية .. وفقط .

ملاحظة - من المعلوم أن كل ما هو إنساني فهو إسلامي بالضرورة والفرض أيضا .. كثيرا ما ظلم الفن وتابعه الجمال باسم ما اصطلح الناس على تسميته فنا أقصد ألبومات مدعي الفن - من غير ذكر أسماء ومش على سبيل المثال .. هيفا ورفيقاتها وتامر وأصحابه .

الفن بمفهومه يتجاوز مجرد الصوت الجميل واللحن المطرب والآلات ( المهشتكة ) يتجاوز - على الرغم من إعجابي بصوته - كلام دياب الذي يريد أن يقوله لحبيبته ( نقول ايه حبيبي خلاص ) .. ويتجاوز حب أليسا لحبيبها الديجيتال وكرهها الأنالوج له ( من كتر حبي فيك خلاص أنا قربت أكرهك ) .. في أغلبها دوائر عدمية غير منتهية .. لا تلتقي فيها خيوط التراث والذاكرة مع محركات الدفع للمستقبل .. هي تبقيك في مكانك ( محلك سر ) حب افتراضي .. و هجران أشد وقعا على المرء من وقع هزيمة مصر قدام أمريكا .. دوائر دوائر .. تصبيك بالغثيان والقرف في نهاية المطاف . طبعا دون ذكر ( السفالة وقلة الأدب ) التي أصبح يتغنى بها كثيرا من مدعي الفن .

لا أهاجم الغناء من أجل الحب .. لا أقصد حب بابا وماما وحب الله والوطن .. ولكن أقصد الحب بين الجنسين .. بل بالعكس .. هي عاطفة أودعها الله في مضغة كلا الجنسين ، حينها يصبح من الجميل أن يتغنى الناس بها .. ألم يستفتح شاعر الرسول زهير بن أبي سلمى قصيدته للنبي عليه الصلاة والسلام ببيت من الشعر العاطفي :

" بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها لم يفد مكبول "

- ملاحظة - طبعا الرسول وقتها ما قالوش قوم يا فاسق

هذا النوع من الغناء والتغني مطلوب .. ولكن ما هي الملامح ؟ .. كما يقول علاماتنا المسيري : حبا يتعايش مع الزمان والمكان هذا المطلوب في ظني - الفسفس - على رأي عمي .. غناء عاطفي يتحدث عن هذه الحاجات ( العيب ) بين عمو وطنط ولكن .. في إطاره : غير عدمي .. دافع .. بنّاء قادر على التعايش مع الزمان والمكان .. لا يزيح القيام المطلقة ليقيم صرح اللذة والأنانية وينقض غيره .

عودا إلى مرجوعنا .. إلى عقدنا الفريد من الغناء .. ألبوم احلم معايا للـ( الفنان ) المصري حمزة نمرة .. لم اكن استظرف هذه الكلمة ( احلم معايا ) في البداية ... لكن الألبوم سيأخذك ويحلق بك إلى آفاق ربما لا تكون جديدة في معظمها .. لكنها آفاق طمست معالمها التربية التي نتلقاها في الشارع والبيت ومن بابا وماما - مش قصدي على البابا بتاع الأنا ولا الماما بتاعة الأنا ..

البراءة .. الرغبة في تحقيق الحلم .. تناول معول البناء .. الاندفاع غلى المسقبل لتحقيق حلم الطفولة المقموع .. الحنين إلى بساطة الحياة وسط زحام المادة يخضوض الألبوم بك غمار بحار فلسفة الحياة وحنين أيامها والرغبة في النهضة والبناء ..

ما تيللا بينا انت واياه .. ونستعين ع الشقا بالله
واهو اللي في القسمة نلقاه .. واللي ما يجيش إن شا الله ماجا
مدام بنلقى عيش وغموس يهمك ايه تفضل موحوس

- من أغنية شد الحزام


و

حنّي بالشحم ايدك .. عملك يصبح وليدك
ولا غيرك يبقى سيدك .. وتزيد القوة فيك
أول ما يدور مكنّا .. نحفظ ونصون مكاننا
والحلم هيبقى جنة .. ونكون في الكون شريك

- من أغنية فتح شبابيك عنيك


و
وياااه .. وبتحلى بيها دنيتنا .. تاخدنا لفوق وبتسعنا
تلملمنا صديق وصديق .. ترجع حلم قلب برئ
تقول غنوة تلم الريق وترجع بيها أحلامنا
واااه .. لما السنين بتعدي .. وتسرق منا أحلامنا
واااه .. دي بتجري ما تهدي .. تضيع ملامحنا وكلامنا

- من أغنية مرجيحة


طبعا هذا كله مخلوط بمزيج بياني وساحر من الكمانجات الساحرة والجيتار الاكلتريك والآلات الشرقية .. وخصوصا الإبداع فوق الرائع في استخدام العود والناي والقانون

...

إن كنت فهيم/ــة .. ستشعر/ي بان حجمك يتضاءل ويتقلص عودا إلى حلم الطفولة القديم .. ثم يصّاعد بك حلمك ليضعك فوق الجبال الأعالي

ويكلل رأسك بتاج العزيمة والإصرار والحب .. متوجا بجوهرة الحنين .. ليس الحنين إلى الدار القديمة أو المدرسة فقط .. ولكن الحنين إلى معنى الطفولة في إطلاقه .. ومعنى الاشتياق في إطلاقه .. سواء كان المشتاق إليه أبا أو أما أو أخا أو حبيبة أو مكانا .. أو زمانا إنه فن العقد الفريد الذي جدده صانع الألبوم .. صدقوني .. في هذا االألبوم يتصل تراث الماضي بالحاضر .. ويولد خيالات للمستقبل ..

حمزة نمرة .. شكرا لك على فنك الحقيقي .. الماكث في الأرض .. النافع للناس